ولد المرحـوم : محمد طرش بن السعيد بقريــة أولاد لعيـاضي (الدشرة ) سنـة 1896م حسب شهادة الميلاد المستخرجة من مكتب الحالة المدنية لبلدية برج الغدير تحت رقم 292 .
والده العلامة : الحاج السعيد طرش,وأمه السيدة الفاضلة : بن سالمرقيـةمن قرية أولاد لعياضي.
لعلمه تم تعيينه من قبل جمعية العلماء المسلمين ( رئيس شعبة جمعيةالعلماء المسلمين الجزائريين ببرج بوعريريج في الثلاثينيات) .
ولنشاطه الفعال في الناحية تمت زيارة العلامة عبد الحميد بن باديس ضمن وفد هام ليطلـع على ما تم تحقيقه على يد رئيسـها ( الحاجمحمد )من البرنامج الذي أعدتــه الجمعية ( جمعية العلماء المسلمينالجزائريين )في تلك الفترة .
وقد ارتأينا أن نكتب النص الذي يتحدث عن رحلات جمعية العلماء المسلمين الجزائريين لمدينة برج بوعريريج كاملا كشاهد على مجهودات العلامة ( الحاج محمد بن السعيد ) .
برج بو عريريج : بلدة معروفة واقعة بين العرب والقبائل , وسكانها الأهالي منهما معا.
على أن هذا التقسيم اللقبي لم يؤثر أدنى تقسيم معنوي ـ كما يتوهم ـ بل هم أخوان أخوة اسلامية , متحابون في الله , يعامل بعضهم بعضا بلا خصوصية ولا امتياز ، تلك سنة الله في عباده المؤمنين إيمان صدق, لاايمان نفاق , وباللازم كانوا أهل خير في أقوالهم وأفعالهم وتفكيرهم , فمن جملة ما فكروا فيه تفكير خير في ما بعد عيد الأضحى أن يستعدوا ويتشرفوا بوفد من جمعية العلماء المسلمين الجزائريين يكون في مقدمتهم الرئيس ـ
فاتفق رأيهم على هذا ـ فتكررت منهم الدعوة إلى مكتب الرئاسة , فلما عاين الأستاذ الرئيس منهم الرغبة رغم ما تراكم عليه من الأعمال أهمها الدروس , فما وسعه إلا التلبية ، فاختار هو من نفسه يوم الخميس لمناسبة الراحة فيه للطلبة .
انتدبني للرفقة معه وعين لي الوقت ليمكن لي أخذ التذاكر في المركب , فبادرت عشية الأربعاء فعلمت بقعتي للغد عند شركة ( ابليدان ) .
وفي الصباح امتطينا ذلك القطار السريع ، فما هي إلا نحو ساعتين وقد قطع تلك المسافة الشاسعة بين قسنطبينة وسطيف . وكان قدسبق للأستاذ اتفاق بواسطة الهاتف مع أفراد من أعضاء شعبة سطيف على أن يستقبلوا القطار صبيحة ذلك اليوم إلى موقفه وعين منهم اثنين بصحابته كوفد من الجمعية .
رئيس الشعبة السيد محمد بن الحاج عمار, ونائبه السيد عبد الرحمن بن بيبي، فوجدناهم في انتظارنا وكان معهم السيد أحمد الدراجي من أعضاء الجمعية يود لو صاحبناه كما وددناه الأول .
ركب معنا رئيس الشعبة ونائبه وودعنا الآخرين إلى اللقاء , فمضينا في السير بتلك السرعة المعهودة فما كانت ( الساعة العاشرة )حتى اشرفنا على البـــرج فوجدنا أعيانه وفي مقدمتهم رئيس الشعبة السيد : الحـاج محمد بن لطرش ,ينتظرون بمزيد اشتياق , فنزلنا ومضوا بنا إلى محل السادة أولاد أخروف الذين برهنوا في هذه المرة كغيرها على صدق محبتهم في العلم ومعرفتهم بأهله الذين يدعون حقا وصدقا ، ممن يدعونه زورا وكذبا .يبتغون به عرض الحياة الدنيا .
هنا يجب أن أرتب الحديث لاستقصي الأدوار التي حال حزب الشيطان القيام بها وكيف أخفقوا ، وماذا كان موقف حزب الله إزاء جنونهم , بينما نحن في تبادل أطراف الحديث بين أسئلة دينية وأبحاث علمية إذا بنا القوم العلويين ومن ضموه إليهم من أهل الطرق الأخرى يرأسهم سي محمد بن ساعد يتألبون على وفد الجمعية ويظهرون سخطهم عليه ويتآمرون فيما بينهم على أن لا تفوتهم هذه الفرصة في نظرهم ، دون أن يحدثوا فيها فتنة يشوهون بها الجمعية .
وهذا بعد ما قد كان وافقهم قائد هذا الجيش على هذا الصنع ـ وان لم يتوقف على وفاقه شيء ـ واعلموا شيخ البلدة واستحسن رأيهم وأذن لهم في الاجتماع في قاعة الأفـراح ( صـال دوفيت )كما أعلموا حاكم حوز ( امعاضيد ) وكان استحسانه أكثر من رغبته فيهم أن يجمعوه ( بالأستاذ الشيخ عبد الحميد ) .
طار الجميع لهذا النبإ بين مفرط في الحماس ومعتدل فيه , فكان السيد الطاهر أخروف ممن يعرف كيف تؤكل الكتف ، فاختار السير بالحكمة ، فطلب من الأستاذ ورئيس الشعبة ( الحاج محمد طرش )أن يرافقاه إلى شيخ البلدة , وهو يتكفل بحسم هذا النزاع المزعوم .
ذهبوا بالفعل ووجدوا الشيخ المقدم قد سبقهم عند شيخ البلدة وهو نـائب بلدي يصول ويجول ويحتج ضد هذه المحاضرات التي ستلقى بدعوى أنها ستثير فتنة ، ويكون وراءها ما يكون ومن جملة ما ذكره في وجوه وفد الجمعية أمام ( الميـر ) ولم يحترمه أنهم ـ يعني الجمعية ـ ( واشو فيك ) يريد بذلك إدخال الريب على ( الميـر)بهذه الكلمة التي لايفهم منها إلا ما يفهم الصبي في كلمة ( الشيخ الكانون والغول ) إذا قيلت له على وجه الترهيب .
فنزل ( الميـر )منزلة الصبي ظنا منه ـ أو غباوة ـ أن ( الميـر )لا يعرف البولشوفيك أو الكومينست أو العلماء أو غيرهم من الأحزاب حتى يخلط عليه هو الحابل بالنابل ويقضي منه ما أراد بالسفسطة ولكن بما حظي آخر من الجميع .
أجابه السيد الطاهر أخروف بأن هذه الكلمة لاتفهمها وانما أطلقتها هنا لحاجة في نفس يعقوب .
أمـر القائد المختار قائد البـرج وكان حاضرا هناك فقال جوابا عن سؤال الميـر : لماذا يخاصمون العلماء ـ إنهم يكرهون العلم لاغير، وأما الميـر فقد أعلمه بأنه سيعطيهم قاعة الأفـراح ( صال دوفيت) ليجتمعوا فيها ، كما سيحضر ( كوميسار الشرطة) مع أعوانه لحفظ الأمن .
ثم من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وكفى به حسيبا ، خرج الشيخ المقدم يشبه من قامت عليه البينة في كبيرة ، على أنه لم ينثن عزمه وأعاد الكرة ثانيا بصفة مدهشة ، فجمع حزبه الملفق ، وأغراهم ـ كما قيل ـ على التوحش ، وأن يفتكوا ويبطشوا بالأستاذ .
فانتشر هذا الخبر في المدينة ، فما كاد يعمها حتى اجتمع جيش عظيممن الشبان ، لولا العقلاء من الكبار لانتقموا منهم شر انتقام قبل تحقيق هذا الزعم .
وفي هذا الأثناء جاء خلق كثير من الخارج أي سكان القرى والبوادي من ذلك قرية القلعة بني عباس جاءوا في سيارتين مملوءتين بيد أنهم لم يبلغهم خبر هذا الاحتفال إلا في نفس اليوم ، لذلك قالوا لو علمنا قبل لحضر من القرية أكثر من مائة .
ثم فتحت قاعة الخطـاب واجتمع الخلق فيها فاشغلوا الكراسي كلها على كثرتها واتساع القاعة ، فبقي الناس واقفين مزدحمين حتى أن فيهم من لم يجد مسلكا للدخول أصلا ، فوقفوا خارج القاعة كل ذلك في غاية الهدوء والسكينة لخلو المحفل من المشوشين .
وبفضل ما قام به رئيس الشرطة وأعوانه من واجب التعظيم وما إليه من اللوازم واهتمام سيادة الميـر وعنايته بالأمر ابتداء ( والفضل للمبتدى ولو أحسن المقتدى ).
على الساعة الخامسة ونصف للوقت المعين بالتدقيق، دخل الأستاذ مع جماعته يحوطهم ثلة من الأعيان فأعلن دخولهم بتصفيق الترحيب الحاد ، ثم تقدموا إلى السيد ( الميـر) والسيد الكوميسار ومن معهما فصافحوهم ، وبعـدما أخذوا مقاعدهم في سـدة الخطابة ، قـام نائب ( الميـر) الذي قدمه ليخاطب الناس على ما يلزمهم في هذا المحفل من إنصات وأدب واهتمام بمحاضرهم .
على أنهم إن لم يمتثلوا سيعاقبهم رسميا ، فأدى النائب المأمورية كما يجب . فقوطع خطابه بتصفيق استحسان ثم قام إثره العالم الأديب السيد : الحـاج محمد بن لطرش رئيس شعبة البرجالذي قال فيه الأستاذ
ابن حــرة )مشيرا بذلك إلى قول القـائل :
( لا يكشف الغمـاء إلا ابن حرة ـ حيث يرى غمرات الموت ثميزورها) .
وحقا ما قال ـ فألقى خطابه كله حماس بلهجة قوية الصوت صادقة التأثير . عرف ضمن ذلك بالأستاذ بعبارات لطيفة يشير فيها إلى أن أمثال الأستاذ لاتسمح شهرتهم في التعريف به .
إلا أن العادة قد جرت بأن صاحب البلد يقدم ضيفهم المحاضر أو المدرس أو غير ذلك ، فقام الأستاذ وافتتح خطابه باللغة الفصحى ، ودام زمنا بتدفق بالآيات القرآنية والأحاديث الكريمة المشتملة على الثناء على الله والمتضمنة كذلك عبارة استهلال لموضوع المحاضرة التي كان عنوانها (التعليـــم والتعلـــم )،ثم عدل إلى اللغة الدارجة قصد تعميم الفائدة فخاض هذا البحر الخضم بسفينة البلاغة التي يستوي عندها النهر والمحيط ، وحملها بها إلى عالم جديد اكتشفه بجولاته المتكررة في قارة القرآن العظيم .
لما فرغ الأستاذ قام السيد : الحاج محمد بن لطرشفشكر الأستاذ بكلمات ذهبية وأثنى كذلك على ( الميـر )بما هو أهل , وذكر تأييده لهذه الحفلة العلمية , وشكر في هذا الثناء السيد ( كوميسار الشرطة )على ما قام به من واجب حفظ النظام والسيد حاكم لمعاضيد لاعانته إياهم ثم افترق الناس في الحين بما آتاهم الله من فضل العلم , وقيض لهم من يبثه فيهم .
أما سائر النهار فقد قضينا منه جزءا كبيرا في المحادثات العلمية مع جمع كبير من قراء العربية والفرنسوية وأولاد أخروف مشاركون فيهما معا .
وفيهم السيد لحميدي قد شرب من كأسين , وهو الذي قد كان عزم على الالتحاق بالجامعة المصرية فعاقه المرض ، عجل الله له الشفاء , وآخرون لابأس بهم في العربية ومحصلون في الفرنسوية القدر الكافي ولازمنا السيد محمد بن انويرة الوكيل الشرعي , والرجل لفرطه في الفطانة لا يخلو مجلسه من النكت , والسيد : الحـاج احمد أخوالسيد الحاج محمد بن لطرشلايقل ذكاء وبشاشة وحلما وشجاعة وإقدام عن أخيه , ولربما كان أجسر منه في بعض الأحيان (وقد فاز باللذة الجسور) .........
نقلا عن ( آثـار بن باديـس )الجزء الرابع
من قبل السيد : بن عامر لخضر بتاريخ
10اوت 2006م .
منقول من منتدى بلاحدود